• الشروق العامة نيل سات: HD 10992 V SR:5000
  • الشروق الإخبارية نيل سات: SD 10992 V SR:27500
  • سي بي سي بنة نيل سات: SD 10922 V SR: 27500
الخميس 02 ماي 2024 ميلادي, الموافق لـ 23 شوال 1445 هجري الخميس 02 ماي 2024 م | 23 شوال 1445 هـ

آخر الأخبار

رحلة جزائري إلى تونس..

ربورتاج: بين عنابة وتونس.. طريق “الفرودور” محفوفة بالرشوة والأبقار والممهّلات!

ربورتاج: بين عنابة وتونس.. طريق “الفرودور” محفوفة بالرشوة والأبقار والممهّلات! تصميم: إسماعيل نعماني

يتجمّعون صباحًا مقابل المحطة في وسط مدينة عنابة مع بزوغ الفجر، يحجزون رصيفًا لسياراتهم المركونة تباعًا، وتختلط هتافاتهم بين من ينادي على المارّة (تونس ..تونس)، وبين من يعرض خدمات صرف العملة الصعبة ( الصرف.. الصرف)، يقفون جماعات وفرادى، يتبادلون الحديث يتفاوضون فيما بينهم حول تقاسم أماكن الركّاب ويتصيّدون الفرص السانحة.

يغيّرون أماكنهم باستمرار لسؤال العابرين عن وجهتهم، ويعترضون المارّة لعرض خدماتهم، وفي مرّات أخرى يعترضون السيّارات التي تتوقّف بالقرب منهم. هكذا يقضي “الفرودور” يومياتهم في اقتناص المسافرين المتوجّهين إلى تونس العاصمة مباشرة من مدينة عنّابة.

سائق “متعدد الخدمات”..

لا تتجاوز الرحلة من عنابة إلى تونس 2000 دينار جزائري، يتولّى الناقلون “غير الشرعيين” مهمّة ختم جوازات السفر ومساعدة المسافرين في كل ما يتعلّق بإجراءات العبور والرّد على أسئلتهم، فهم يخبرون الطريق جيّدًا ويجيدون التعامل مع الشرطة وجمارك الحدود.

فور الاتفّاق مع السائق على الذهاب برفقته، يسألك عن جواز سفرك ويتأكّد من صلاحيته. يقدّم لك استمارة العبور لتعبئتها، ويطلب منك وضع ترقيم لوحة سيّارته على الاستمارة، يسألك عن الحمولة ويقوم بشحنها في الصندوق الخلفي للمركبة ويطلب منك الانتظار إلى حين توّفر التحاق المزيد من المسافرين، وذلك لأنه لا يمكن له الانطلاق بمسافر واحد.

“الفرود”.. الخيار “الأمثل”

قد يبدو أن عمل “الفرودور” الذين ينقلون السياح والزوّار من عنابة إلى تونس مربحًا، ولا يكلّف صاحبه دفع الضرائب أو المضايقات الأمنية، ولكنّ هذا العمل محفوف بكثير من العوائق والمشاكل؛ لأن قوّات الأمن تمنع تجمّع هؤلاء في المحطّة الجديدة التي تعتبر مصبًّا للمسافرين من كل ولايات الوطن، ويتمّ طردهم باستمرار، فكثير منهم يتفادى دخول هذه المحطّة التي تقع في مدخل مدينة عنابة، بسبب مضايقات الشرطة وتعرّضهم للإهانة، برغم أن كثيرًا من المسافرين المتوجّهين إلى تونس يقصدون تلك المحطّة لهذا الغرض، ضف إلى ذلك، توجد رحلة واحدة فقط كل يوم تنقل الركّاب بشكل قانوني على الطريق البرّية على المدخل الحدودي “أم الطبول” من مدينة عنابة، حيث تنطلق الحافلة مرّة كل أربع وعشرين ساعة على الساعة السابعة صباحًا.

الحجز.. “كوشمار” السائقين

لا تتوقّف مشاكل “الفرودور” عند هذا الحدّ، ففي كثير من الأحيان يضطر هؤلاء الناقلون للانتظار ساعات طويلة من اليوم لحجز أماكن إضافية في مركباتهم، فهم في العادة لا يتنازلون عن ثلاثة ركّاب في الرحلة الوحدة، التي تمتد على مسافة 300 كلم، وتستغرق أربع ساعات تقريبًا باحتساب أماكن التوقّف والوقت الذي تستغرقه إجراءات العبور.

مرحبا بك في قرية الأبقار!

الطريق من عنابة إلى تونس ليست سهلة على الإطلاق، فالناقلون في طريقه إلى المعبر الحدودي، يتحاشون المرور على الطرقات المليئة بالحواجز الأمنية، رغم أنها تعتبر مسلكًا سريعًا ومختصرًا، ويفضلون المرور على مدينة القالة، وهي طريق يضطر فيها السائق للسير بسرعة أقلّ، لوجود عدد كبير من الممهّلات، فضلًا على ذلك، فهي تقع على جانب المزارع والقرى. وتشتهر منطقة القالة التابعة لولاية الطارف بتربية الأبقار التي تتجوّل في الطريق باستمرار على امتداد مسافة السير، في مشهد يشبه أحد القرى الهندية التي تقدّس عبادة الأبقار، ويبدو عاديًا جدًا أن يواجه السائق قطعانًا من الأبقار “تتشمّس” في منتصف الطريق بكل هدوء دون أن يكون هناك من يرعاها، أو تركض بشكل عشوائي على جوانبه متسبّبة في مشاكل مرورية.

“الرشوة”.. باستحياء!

تجارب “الفرودور” مع رجال الأمن في الحدود جعلتهم يعرفون كيف يمرّون بسلاسة على حواجز التفتيش، وتسريع عملية ختم الجوازات رغم الطوابير الطويلة للمارّين، يعترفون دائمًا أن ورقة من فئة 500 دينار جزائري كافية بتولّي هذه المهمّة، يقف “الفرودور” خلف الطوبير، ويشير إلى أحد الجالسين خلف الشباك للفت انتباهه، يفهم المعني المقصود، ويطلب منه الخروج والالتقاء خارج القاعة ويتمّ الاتّفاق بمنحه عمولة مقابل ختم جوازات المسافرين التي معه بسرعة، والتي يسلّمها له مباشرة، دون وضعها أمام الشباك في الطوابير.

يعترف كثير من الناقلين أن هذه المرحلة هي أصعبها، ففي الحدود التونسية يتمّ تقديم عمولات للجمارك بشكل علني، ففي حادثة يرويها أحد الناقلين، أراد أحد ركابه شراء طابع جبائي بقيمة 10 دينار تونسي للتصريح بالعملة الصعبة التي يحوزها، أخذت منه ضابطة الجمارك مبلغ 20 دينارًا، وعندما سألها عن الصرف المتبقي، ردّت عليه بابتسامة بأن المبلغ مضبوط تمامًا ولن تعيد له شيئًا، رغم أن الطابع الجبائي يحمل قيمة ما يجب دفعه.

الحرس لمن “حرص”

على مشارف مدينة طبرقة التونسية الحدودية مع الجزائر، هناك حاجز قارّ، محل حديث الكثير من سائقي “الفرود”، حيث يعترض هؤلاء الحرس القادمين من الجزائر والخارجين منها، لتفتيش صناديق سيّاراتهم الخلفية بشكل مكثّف، وأخذ بعض محتوياتها، خاصّة من اللذين يحملون حمولات غير مصرّح بها، وغالبًا ما تكون موادًا استهلاكية أو مواد تجميل، حيث لا يتورّع هؤلاء من أخذها أمام الملأ وإخفائها في ملابسهم، ولكن المتحدّث يعترف بأنه إذا رفض السائق إعطاء أي شيء للحرس فلن يأخذ منه شيئًا إلا بإرادة الطرف الآخر، وربّما يتسبّب له ذلك في عرقلته في بعض الأحيان وتهديده بحجز بضاعته ضمنيًا.

تهريب “الميسر”

رحلة العودة إلى الجزائر لا تختلف عن رحلة الذهاب، عدا أن السائقين القادمين يخشون من الزبائن الذين يمرّرون ممنوعات في حقائبهم، ويخضعون لتفتيش دقيق على الحدود يمكن أن يورّطهم جميعًا، هناك حديث أيضًا أن الحدود الجزائرية أصبحت متساهلة مع القادمين من تونس، وأحيانًا يقفون عاجزين أمام مهرّبي الوقود في خزانات سيّاراتهم، لأنه لا يوجد قانون يمنع تنقّلهم جيئة وذهابًا بسيّارات عدا تحذيرات شفوية يتلقّونها من طرف رجال الجمارك الجزائريين، وتهديدات بمنعهم من العبور مجدّدًا، وهم يستعملون في الغالب سيارات قديمة من نوع “أودي”، الأمر الذي يجعلهم مكشوفين أمام مستخدمي الطّرقات.

يعود تساهل السلطات الجزائرية مع التونسيين على المعبر الحدودي أم الطبول، لأن السكّان التونسيين على الحدود، يهدّدون غالبًا بقطع الطريق ومنع الجزائريين من العبور في حالة تعرض أحدهم للمضايقات أو حجز بضاعته، وهذا ما يجعلهم في موقف قوّة وفرض سيطرة لتسهيل عمليات التهريب التي تشّكل مصدر الرزق الوحيد لكثير من عائلاتهم.

لا تعليق

كل الحقول مطلوبة! يرجى منكم احترام الآداب العامة في الحوار.