• الشروق العامة نيل سات: HD 10992 V SR:5000
  • الشروق الإخبارية نيل سات: SD 10992 V SR:27500
  • سي بي سي بنة نيل سات: SD 10922 V SR: 27500
الجمعة 29 مارس 2024 ميلادي, الموافق لـ 19 رمضان 1445 هجري الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ

آخر الأخبار

بريكزيت: في وفاء سامانثا لدايفيد ووفاء دايفيد للوطن !

بريكزيت: في وفاء سامانثا لدايفيد ووفاء دايفيد للوطن ! ح.م

كم كانت "سامانثا شيفيلد" عقيلة الوزير الأول البريطاني "دايفيد كاميرون" منكسرة وحزينة الملامح، وهي تقف في آن واحد على "هزيمة الزوج" وعلى "انتصار الوطن". وكم كان "دايفيد" رغم خيبته من نتائج استفتاء البريكزيت، حانيا على زوجته إذ يربت على ظهرها ويمسك يدها، ويقول لها في صمت الكبار: قد آن الرحيل.. فلنذهب معا !

كنت كغيري من المهتمين بشؤون العالم، نترقب وبشغف كبير، نتائج استفتاء يعد الأهم بكل المقاييس في تاريخ هذا البلد العريق، الذي استطاع أن يرسم خريطة العالم في فترة ما من تاريخه، واستطاع بعدها أن يرسم سياسات العالم وتوجهاته الأساسية في مراحل لاحقة. والحق أن بريطانيا محظوظة بوزرائها وأحزابها وساستها ومجتمعها المدني، فهي مكونات تعرف كيف ترقى بالبلد في عز حاجته اليها على الصعيد السياسي والاقتصادي والمجتمعي، وحتى السيادي إن استدعى الأمر ذلك. أقول هذا متأثرا ربما، بوطني، الذي يهين فيه النواب بعضهم على الملأ، ويهددون بعضهم على الملأ، ويمررون  قوانين الجمهورية بكراسي فارغة، فلا حاجة هنا للعقول وحتى الأيدي المرفوعة بعد اليوم !

دايفيد كاميرون: من الأغلبية النسبية الى الأغلبية المطلقة إلى الخروج الكبير !

لا يمكن لمن يعرف دايفيد كاميرون أن يتفاجأ بما فعله أمس، فالمتابع لمسار الرجل منذ بدايات بروزه بترشحه للانتخابات العامة في بريطانيا في ماي 2010 يقف على شخصية تتوفر فيها عوامل النجاح الكبير، فهو خريج الاقتصاد والفلسفة من جامعة أوكسفورد، وخريج السياسة من حزب عظيمة الانجليز “مارجريت تاتشر” وهو فوق هذا معروف بشخصيته البراغماتية والحاسمة. كيف لا يكون كذلك، وهو الذي اقبل على رئاسة وزراء المملكة المتحدة في ظرف صعب من تاريخ البلاد. فبريطانيا التي حكمها العمال لعهدتين متتاليتين كانت تعيش ارتدادات حادة للأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم ذات 2008، وسط حالة من الاستقطاب الداخلي بين الأحزاب الكبرى والصغرى في البلاد، والنتيجة حينها كانت بداية صعبة، بما يسميه البريطانيون ‘Hung Parliament’ وهي الحالة التي لا يحوز فيها أي حزب على الأغلبية المطلقة التي تتيح له تشكيل حكومة أغلبية.

بستة وثلاثين في المائة فقط من أصوات الناخبين لصالح حزبه، شرع كاميرون في صناعة التوازنات الجديدة لبريطانيا، فبدأ بتحالفه الصعب مع حزب الديمقراطيين الأحرار، ليؤسس حكومة توافق، قال الكثيرون بشأنها أنها ستكون أضعف حكومة على الإطلاق في تاريخ البلاد.
يومها كنت طالبا جامعيا، حين تعاقب “جوردون براون” الوزير الأول المستقيل، و “دايفيد كاميرون” القادم الجديد على منصة 10 شارع داونينغ، فقال الثاني للأول: “اخترت ممارسة السياسة لأني أحب البلد، وأن الأيام الجميلة لم تأتي بعد”، وقال الأول للثاني مودعا: “أتمنى لك أن تقدم بقوة على الخيارات الصعبة لمستقبلنا”

لم يكن مُقام المحافظين ومن سلك مسلكهم آمنا على الاطلاق، فحكومة “كاميرون” واجهت عجزا ماليا كبيرا، ومشاكل مجتمعية آخذة في الكبر، لكن النتيجة في عمومها كانت انفراجا واضحا للمسألة الاقتصادية وعودة الإستقرار المالي والنقدي في البلاد، الأمر الذي شجع الرجل على مغامرة أخرى في انتخابات ألفين وخمسة عشر. انتخابات اكدت علو كعب “دايفيد” الذي افتك 331 مقعدا من مجمل 650، كانت كافية لينفرد الرجل الاول في حزب المحافظين بحكومة يقع على عاتقها تجسيد وعود كثيرة من قبيل الكف عن رفع الضرائب وزيادة الاستثمار في الرعاية الصحية وبناء مساكن جديدة والتحكم في التضخم وقيمة العملة والبطالة والتعليم، والأهم من هذا استفتاء تقرير المصير استجابة لدعوات من تيارات محلية كبيرة داخل البلاد.

كاميرون: لا أعتقد انني القائد المناسب ليقود البلد نحو وجهته الجديدة؟

“الشعب البريطاني صوت لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي وهذا قرار لا بد أن يحترم.. فرغبة الشعب البريطاني، تعتبر أمرا وجب تطبيقه” بهذا بدأ رئيس الوزراء البريطاني كلمته عقب ظهور نتائج الاستفتاء. قرار كان هو أول من احترمه إذ قال “لا بد أن نتخذ القرارات الصعبة عوض أن نتجاهلها.. لا أعتقد أنني الزعيم المناسب ليقود البلد نحو وجهته الجديدة.. البلد يحتاج لقيادة جديدة”

كلمات “كاميرون” أخرجت زعماء أوروبا من مكاتبهم بوجوه شاحبة وبمخاوف معلنة من انهيار سقف البيت الاوروبي على ساكنيه، بيت لطالما آمن الاوروبيون الذين لم ينسوا أمجاد قارتهم العجوز وآلام الحربين العالميتين أن في الاتحاد قوة مهما كانت درجة الاختلاف !

للبريطانيين المزهوين الآن بالنصر، موعد مع أسئلة حاسمة لها ارتدادات مباشرة على العيش اليومي للمواطن البريطاني، فكم سيكون سعر صرف عملته أمام العملات الأجنبية، وكم سيكون سعر المنتجات الاوروبية المسوقة داخل بلده، وكم سيكون معدل البطالة، والفوائد على القروض البنكية، وأسعار المنازل، والأجور، والمعاشات، واستقطاب الاستثمارات وغيرها.

ورغم كل الاختلافات في المواقف والتحليلات، فإن الدرس البريطاني يعلمنا وبوضوح كبير أن احترام الإرادة الحرة للشعوب يبقى عامل القوة والتماسك الأول للدول، فبريطانيا ورغم كل خطابات التخويف والتهويل من أصحاب النفوذ والمصالح واللوبيات، قررت القطيعة، بكل ما قد ينجر عن ذلك من تبعات. كما أن الدرس البريطاني يعلمنا كيف أن المصلحة العامة تعلوا ولا يعلى عليها في منطق العقلاء !

لا تحزني يا “سامانثا”، وهنيئا لك بـ”دايفيد”.. فقد بدأ المسار كبيرا وانهى المشوار كبيرا..

 

لا تعليق

كل الحقول مطلوبة! يرجى منكم احترام الآداب العامة في الحوار.