• الشروق العامة نيل سات: HD 10992 V SR:5000
  • الشروق الإخبارية نيل سات: SD 10992 V SR:27500
  • سي بي سي بنة نيل سات: SD 10922 V SR: 27500
الخميس 18 أفريل 2024 ميلادي, الموافق لـ 9 شوال 1445 هجري الخميس 18 أفريل 2024 م | 9 شوال 1445 هـ

آخر الأخبار

بترول حاسي مسعود

بترول حاسي مسعود ح.م

لا زلت منذ سنوات الجامعة الأولى، أنظر إلى البترول المتدفق من حاسي مسعود إلى الغاز المنبعث من حاسي الرمل، بشيء من البغض، لا لشيء، إلا لأنهما يشكلان الكذبة الأولى، والخطيئة الأولى، لحكومات تعاقبت على البلاد منذ صائفة العام 1962.

يشكل البترول والغاز والذهب واليورانيوم وغيرها من مصادر الطاقة والمعادن، موارد اقتصادية بامتياز، يندرج فهم وجودها وأنماط استخدامها وفق تصور “اقتصادي” في المقام الأول، يقوم على مبدأ أصيل، يتفق على صحته كل الاقتصاديين على اختلاف مدارسهم وانتماءاتهم الفكرية، فالكل يدرك مبدأ “الندرة” وتقاطع الموارد “المحدودة” والحاجيات “غير المحدودة”.

هذا المبدأ على بساطته النظرية، أسس ولا يزال لكل التيارات الفكرية الاقتصادية التي تطورت في أعرق الجامعات العالمية في كامبريدج وهارفارد وشيكاغو، وسمح بتعدد السياسات الاقتصادية وتنوعها عبر عقود من الزمن، وهو نفسه المبدأ الذي يتيح ضمان استمرار “التجديد الفكري” و”الابداع العملي” في التعاطي مع اقتصاد يتغير كل يوم، ويقع في أزمات كل يوم، ويخرج من أزمات كل يوم.

أما نحن في الجزائر، فإن التعامل مع “الموارد الاقتصادية” ينطلق من مقاربات تقترب من السياسة أكثر من الاقتصاد، إن لم أقل “سياسية” وفقط. فالبترول في نظر السياسي الجزائري “شرعية بقاء” و”شرعية استقواء”، فهو بمجرد أن يتحول الى دولارات خضراء، فإنه يدخل صانع القرار في حالة من السٌكْر، يرى من خلالها نفسه في جنة الجنان، محاطا بأشجار دولارية وأنهار نفطية وينابيع غازية عن يمين وعن شمال، فهو لا يحتاج بعد ذلك الى اقتصاد منتج.

غير أن هذه الرؤية التي استمرت أزيد من خمسة عقود، مآلها الارتطامُ شديدُ الوطأة مع العقل البشري الذي يتطور كل يوم، والذي يتجه نحو تحولات طاقوية قد تجعل من تلك الجنة نهرا من أنهار جهنم. فالعالم الذي أثقله التلوث البيئي الناجم عن استخدام الطاقات التقليدية قد قطع علماؤه أشواطا كبيرة في البحث عن مصادر طاقة جديدة أكثر استدامة ونظافة على الصعيد الاقتصادي والإيكولوجي وأقل تبعية لمصادر طاقة الشرق الأوسط على صعيد استراتيجي.

تُلِح علي اليوم أسئلة كثيرة، كيف ستسير الطائرات والقطارات والسيارات بعد خمسين عاما؟ كيف ستشغل المصانع وتنتج والخبراء يبحثون كل يوم عن عوامل إنتاج تخفض الكلفة لصالح تنافسية أفضل؟ كم سيكون سعر البترول في بورصات لندن ونيويورك وسنغافورة؟ كيف سينظر المتحكمون في صناعة القرار العالمي ممن أخذوا بأسباب العلم والقوة إلى مصادر الطاقة وعلاقتها بتوازنات السياسة والاقتصاد؟ ليكون سؤالي الأكبر: هل سَيُرْوِي بترول حاسي مسعود ظمأ السياسي الجزائري بعد خمسة عقود أخرى أم أنه سيتحول إلى سراب يحسبه الظمآن الجزائري ماءً؟

لا تعليق

كل الحقول مطلوبة! يرجى منكم احترام الآداب العامة في الحوار.