• الشروق العامة نيل سات: HD 10992 V SR:5000
  • الشروق الإخبارية نيل سات: SD 10992 V SR:27500
  • سي بي سي بنة نيل سات: SD 10922 V SR: 27500
الثلاثاء 23 أفريل 2024 ميلادي, الموافق لـ 14 شوال 1445 هجري الثلاثاء 23 أفريل 2024 م | 14 شوال 1445 هـ

آخر الأخبار

صحافة غير مرغوب فيها وقوى أمنية تتنازع السيطرة على المدينة ..

روبورتاج: طرابلس حكاية الحصان والجزرة

روبورتاج: طرابلس حكاية الحصان والجزرة ح.م

الصحافية ناهد زرواطي تتحدث إلى بعض المواطنين في العاصمة الليبية طرابلس

طرابلس عروس المتوسط،هكذا كانت تلقب عاصمة ليبيا قبل أن يطالها التخريب الأمني والعبث السياسي وتتطاول عليها الأيدي لتحولها اليوم إلى أخطر العواصم في العالم. التوجه إلى طرابلس في هذه الفترة بالتحديد كان تحديا كبيرا فالبعض هناك يعتبر أنني عملت ضدهم لسنوات،لكن البعض الآخر راهن على دخولي وقدم ضمانات كبيرة جعلتني أخطو نحو مغامرة النزول في مطار معيتيقة الدولي لأول مرة منذ سنوات على الخروج من نفس العاصمة هربا من محاولات القتل والتهديدات.

التدقيق في الهويات.. هاجس مطار معيتيقة الدولي

لم يكن مطار معيتيقة معروفا دوليا قبل الحربين، حرب 2011 وحرب 2014،لكنه أصبح كذلك منذ صار محط إنزال السلاح والمقاتلين من الدول التي تدعم قوات فجر ليبيا آنذاك.و يتحمل المطاراليوم جزءا كبيرا من الضغط على مستوى الرحلات اليومية، معظمها باتجاه تونس،رحلات كانت في السابق من مطار طرابلس العالمي الذي أغلق اليوم بعد أن شهد أكبر تنازع عليه العام 2014 بما سمي آنذاك “حرب فجر ليبيا ضد منطقة الزنتان”واليوم وفي مطار معيتيقة بات التدقيق في الوثائق والهويات خاصة بالنسبة للأجانب الهاجس الأول للأجهزة الأمنية التي وضعت رواقا خاص بهؤلاء. كان بانتظارنا مكتب الإعلام الخارجي والمخابرات أيضا الذين عملوا على تسهيل إجراءات الدخول إلى قلب العاصمة طرابلس.

جولة في الشوراع والأحياء.. دمار ورائحة الموت فقط

اقتصرت جولتنا في اليومين الأولين على معرفة تبعات حرب 2014، صور الدمار والخراب ورائحة الموت بين جدران العديد من المناطق والبنايات خاصة على الطريق المؤدية إلى المطار العالمي،عمارات هجرها السكان وأخرى محترقة،شقق دخلتها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة ولم تعد تصلح للترميم،نفس المظاهر في فشلوم و سوق الجمعة و قصر بن غشير وغيرها من المناطق التي شهدت أكبر وأقوى معارك الحسم استعملت فيها كل أنواع الأسلحة بما فيها سلاح الجو. وفي منطقة أبو سليم نصحني أحد المرافقين بعدم النزول بسبب تفشي تجارة المخدرات وانتشار كبار البارونات بها رغم محاولة العديد من الكتائب الأمنية إحكام السيطرة عليها،و قيل لي أن القذافي في أيامه الأخيرة كان شبه عاجز على التحكم في هذه المنطقة لما لها من منافذ وسلطة وطرق ملتوية،تجار السلاح والمخدرات دخل على خطها حتي العمال الأفارقة الذين يتخذون اليوم من المساكن التي تركها أصحابها والمناطق المهجورة مقرا لتجمعاتهم وتوزيع مهماتهم.
شيء غريب لاحظته لم أعهده في عاصمة عروس المتوسط،فقد كنا كمراسلات أجنبيات الوحيدات اللاتي لم نكن نرتدي الخمار، فيما كل البنات وإن لم يكن محجبات بشكل كامل فلا بد لهن من وضع شال بسيط لتغطية بعض من شعر الرأس،اغتنمت مناسبة انتظمت في ميدان الشهداء لأتقرب من بعض الفتيات وهنا فهمت السبب،تتحدث الفتيات عن نسب مخيفة من حالات الإختطاف في مناطق مختلفة،رغم محاولة الجهات الأمنية الشرعية السيطرة على الموضوع،لم يكن تصريح الفتيات جديدا، فصور الفتيات المختطفات واللواتي عثر عليهن مغتالات متداولة وكثيرا ما وصلتنا،لكن ربما تفهمتهن أكثر عندما كنت أتمشى بين شوارع العاصمة والمضايقات غير الأخلاقية تطالني ما كان وراء طلب المرافق بان لا أنزل من السيارة مجددا لأن بعض الشباب قد يتحرش بي بشكل عادي والسبب راجع إلى الإنفلات الأمني وتعاطي البعض المخدرات،ربما كنت أمشي بحماية خاصة وربما كانت لي بطاقة تحميني، لكنني في قرارة نفسي تأسفت جدا لما آلت إليه هذه العاصمة التي كان لا يتجرأ أي شاب فيها سابقا أن ينظر إلى فتاة أو حتي يتحدث معها فما بالكم بالمعاكسة والتحرش الجسدي في وضح النهار ودون أية محاسبة.

إختلال التوازن.. و الليبيون مغيّبون

أسبوع قبل وصول حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج،كانت الساحة الخضراء أو ما يعرف بميدان الشهداء اليوم لا تزال تشهد وقفات إحتجاجية منددة بتلك الحكومة وبدخولها إلى العاصمة،كانت لا تزال حكومة الإنقاذ الوطني تمارس عملها بشكل عادي،عمل الصحفي كان سهلا جدا في تلك الفترة وتغطيتنا للإحتجاجات كانت عادية إذ لا يتجرأ أي عون من الأمن على التحدث مع أي صحفي يحوزعلى مرافق من إدارة الإعلام الخارجي ويحمل البطاقة التي تقدم له من نفس الجهة،الإحتجاجات في تلك الفترة كانت تركز على نقطة إختيار الغرب لحكومة دون موافقة الليبيين أنفسهم، البعض الذين تقربنا منهم كانوا يرغبون بحل ليبي- ليبي،والبعض الآخر كان مستغربا أن يتحول مصير ليبيا اليوم إلى أجندات أجنبية تقدم هي الأسماء والكراسي وتوزع المناصب.

كلام الشارع في طرابلس كان نفسه كلام حكومة الإنقاذ الوطني التي كان لنا لقاء مع رئيس وزرائها ووزير دفاعها ووزير خارجيتها وبعض المسؤولين الآخرين، الذين أكدوا انهم لا يرغبون بالتمسك بالمناصب، بقدر ما يحز في أنفسهم إعلان حكومة لم يتوافق بشأنها كل الليبيين بل ويسيرها الغرب،في تلك الفترة كانت الحكومة في حالة إستنفار أمني وسياسي إجتماعات مكثفة وغلق للمجال الجوي والبري في محاولة لمنع دخول السراج بالقوة.

لغز السراج.. وانتفاضة الإعلاميين وانسحابهم

يوم وصول رئيس حكومة الوفاق الوطني إلى طرابلس، كان لدينا موعد مهم داخل قاعدة بوستة البحرية، ،لكن فوجئنا بإتصال من قيادة القاعدة يعتذرون عن الموعد ويؤجلونه،و جعلني الحس المهني أجزم أن السراج سيدخل عبرها،وبعد أقل من ساعتين إنتشر الخبر ، فعلها هؤلاء ودخلوا بحرا،توجهنا بسرعة إلى القاعدة البحرية التي تحولت إلى ثكنة عسكرية،فحتي الأسلحة المضادة للطائرات إنتشرت عبر مداخلها،كان الحرس يضربون بالقوة على أي سيارة تحاول الإصطفاف أمامها والتي كانت معظمها للصحفيين،منعنا وقتها من التواصل مع الحكومة،قررنا كصحفيين الترقب من بعيد وعدم مغادرة المكان،الأمر دام ساعات طويلة قبل أن يسمح لنا بالدخول. كنا جميعا نطرح السؤال نفسه هل سيسمح لنا بالدخول ببطاقات حكومة الإنقاذ الوطني،قبل أن نفاجأ أن عناصر الأمن يطلبون بطاقات عملنا في ليبيا وكانت مفاجأتنا أكبر عندما وجدناهم يعتمدون نفس البطاقات.

ليبيا 2zoom

كانت التشديدات الأمنية كبيرة داخل القاعدة بل خيالية،التفتيش دقيق ويعاد لأكثر من ثلاث مرات،والتعامل مع الصحفيين كان غير لائق،إحتجت العديد من وسائل الإعلام الدولية خاصة لما سمح للمصورين فقط حضور لقاء السراج وإستبعاد المراسلين،طلبنا لقاء أحد من مجلس الحكومة لمعرفة صاحب هذه الفكرة الرائعة التي يغيب فيها المراسل عن مثل هذا الحدث،بعد دقائق نزل جلال، شخص مكلف بالإعلام سمح لنا بالدخول إلى القاعة لكنه إشترط علينا عدم طرح أي سؤال على السراج.

تكررت العملية في معظم الإجتماعات التي منع فيها الصحفيين من دخول قاعة إجتماع رئيس حكومة الوفاق الوطني، وكان يسمح للمصورين فقط بذلك ،عدم إحراج الرئيس فايز السراج بالأسئلة أو ربما عدم إمتلاكه للأجوبة كان الهاجس الأكبر بالنسبة لمرافقيه،بدأ الضغط يزداد علينا،وبدأ عناصر الأمن والحراسة يتحكمون في المادة الإعلامية التي نجمعها،وهنا كان قرار إنسحاب نسبة كبيرة منا ومقاطعتها لتغطية نشاطات هذه الحكومة ،خاصة بعد إستعمال العنف ضد وفد قناة الشروق نيوز ومراسلة فرنسية وقناة أجنبية أخرى،بل ووصل الحد ببعض عناصر الأمن إلى طلب أسمائنا والوسيلة الإعلامية التي نشنغل لصالحها والبلد الذي ننتمي إليه ومقر إقامتنا كنوع من التهديد،إنتفضنا ضد هؤلاء رغم محاولة مجلس السراج تهدئة الوضع وأخبرناهم أننا إعلام حر لا نسير أو نهدد،لكننا كنا نفاجأ بإستعمال العنف الجسدي ضد وسائل إعلام ليبية داخل القاعدة البحرية والذين كانوا يقومون بالتصوير بشكل عادي،بعض المصادر كشفت لنا أن عناصر الحراسة متخوفون من كشف شيء معين بل راح البعض الآخر حد القول أنه التخوف من كشف حراسة أجنبية موجودة مع السراج داخل القاعدة.

انفلات أمني.. وصحفيون بلا حماية

الأسبوع الأول من وصول حكومة الوفاق الوطني،حاول الرجل الأول فيها القيام بجولة سريعة إلى ميدان الشهداء،طبعا دون علم الصحفيين،إختارت الحكومة تصوير خرجته بكاميراتها الخاصة ،وإختار الأمن وقت صلاة الجمعة،والشوارع فارغة لكن الأمن كان أكثر الناس حضورا فيها ،بعد صلاة العصرتم التنسيق إلى مسيرة تدعم نفس الجهة في نفس المكان الذي كان يتم فيه القيام بوقفات منددة بها،وبما أن العمل كان خارجا والتغطية كانت ميدانية فقد قررنا التواجد لتغطية الموضوع وليتنا لم نفعل ذلك،فقد كان التداخل بين الأجهزة الأمنية واضحا،وإستفزاز الصحفيين أكثر شيء تسعى له الجهات نفسها ،كان يتم إقتياد كل صحفي أو مصور إلى مقر الأمن المجاور للتأكد من وثائقه بطريقة خشنة،كنت رفقة مراسلين أجانب عندما نادى علينا عناصرالأمن بإشارة من إصبعهم كنوع من الإذلال والغرض كان التدقيق في وثائقنا،وتفتيش جميع أغراضنا وكانت العملية تتكرر كل مترين ، رغم أننا كنا نخبر نفس الجهات أنه قد تم التدقيق معنا وأخذ نسخة من وثائقنا لكنهم يردون انهم لا ينتمون لنفس الجهات،لندرك في الأخير أننا بتنا بين المطرقة والسندان وأننا فعلا أصبحنا بدون حماية، أصبحنا نتحاشى الخروج بمفردنا رغم ان حكومة الإنقاذ الوطني ومكتبها الإعلامي بقوا على تواصل معنا،وكانت كل إتصالتهم تقول إنهم لن يتنازلوا عن حمايتنا رغم الإمكانيات البسيطة التي باتوا يمتلكونها.

من سؤال أنت داعش؟ إلى نحن إخوة !

ليبياzoom

قررنا القيام بخرجة مع الهلال الأحمر الليبي للوقوف على الجثث المترامية على ضفاف الشواطئ الليبية للمهاجرين غير الشرعيين، فوجئنا في الطريق بسيارة تتجاوزنا وتطلب منا التوقف،أمتثل السائق لينزل عناصر أمن من السيارة ويطلبون منا مرافقتهم،بدأت ألاحظ حالة من الذعر وسط المرافقين،وعندما سألت عن الموضوع أخبروني أن عليهم توديع أهلهم لأن الداخل إلى هذه الكتيبة مفقود غير مولود،كان علي القيام بإتصالات حثيثة مع بعض الأطراف لوضعهم في صورة إقتيادي إلى المركز،عندما دخلنا حضر ضباط إلى السيارة وطلبوا مني الجواز والترخيص،كان الأمر طبيعيا بالنسبة الي لأن البلاد في حالة حرب والتدقيق مع الأجانب مهم،لكنني دهشت فعلا عندما خاطبني الضابط وهو يقول “أنت من قمت بحوار مع حفتر والغويل؟”،أجبت بنعم ليرد علي ويقول “أنت مع من هل مع السراج أو مع الغويل؟”،زادت دهشتني، أخبرته أنني صجفية لا أتبع أية جهة وفي الأخير لست ليبية حتي يكون لي ميول سياسي وما يهمني من كل هذا هو إيصال رسالة إعلامية مهنية بحتة بلا مزايدات ولهذا أسمي أعمالي وثائقيات لا تحقيقات،لكن الضابط راح لأبعد من ذلك عندما قال “ألا تعلمين أن طرابلس قسمت الآن فكيف تعملين إذن ؟”،أجبته أني فعلا لم أكن أعرف أنها قسمت وأنني أخذت المعلومة منه حصرا،أحس عندها أنه ربما أخطأ في الحديث عن ميول الكتيبة رغم أن كلامه كله كان صارما حتي أنه قال “وما يدريني أنك لست من داعش ؟”،في تلك الأثناء جاء ضباط آخرون طلبوا منه التنحي جانبا للحديث معه،وفي نفس الوقت جاءني إتصال من أحد المسئولين الليبيين الذي طلب مني تقديم الهاتف إلى نفس الضابط والذي فور إنهائه المكالمة أعاد إلي الوثائق قائلا أن الليبيين والجزائريين إخوة وطلب من السائق إخراجنا فورا من الكتيبة.

طرابلس.. أفق مسدود و جوع يتربص بالليبيين

كانت هذه قطرة من بحر المعاناة التي بات الصحفيون يتكبدونها بعد إختلال قوى التوازن بين حكومتي الوفاق والإنقاذ ،ففي البداية كانت حمايتنا وعملنا كلها تحت إشراف حكومة الإنقاذ التي فقدت بعض الصلاحيات و التي رفضت حكومة الوفاق تقديمها لنا،كنا كزملاء نتحدث داخل الفندق الذي خصص لنا،على أنه كيف لحكومة تبيت داخل قارب في قاعدة بحرية أن تساعد عملنا وتحركاتنا،وخلال تلك الجلسة كنا نسمع صراخ من خارج الفندق،لقد كانت زميلة لنا من وسيلة إعلام إسبانية تعرضت للضرب والركل على مستوى البطن على يد شخص ليبي وهي تقوم بإقتناء أغراض من محل مجاور،حاول البعض تهدئتها والبعض الآخر طلب من المرافقين تقديم شكوى إلى المصالح الأمنية،رفض أي شخص القيام بذلك ولخصوها بجملة واحدة “هذا المواطن يا ترى من يتبع الإنقاذ أو الوفاق وأي جهة أمنية ستسمع منا الآن .. صدقونا لن يفعلوا لها شيء ولن يفعلوا معه أي شيء”.

إخراج الكاميرا الآن في طرابلس أصبح تعجيزيا ومستحيلا،والعمل بات يرتكز على الإحتكاك بالمواطنين لأخذ رأيهم في ما يجري، أراء انقسمت ما بين مرحّب بدخول حكومة الوفاق الوطني كنوع من التجريب والتغيير و لسان حالهم يقول أن من يرضى عليه الغرب سيرضي متطلبات الليبيين، وبعض يقول ماذا ربح الليبيون من معاداة الغرب غير الحصار والدمار،أما بعض ثالث فيري أن حكومة السراح لا تعدو أن تكون كمثل حكاية الحصان مع الجزرة، فالشعب الليبي دون مرتبات منذ أشهر والحالة المعيشية في غلاء مستمر والسراج يقول أنه سيفتح البنوك والمرتبات !! .

لا تعليق

كل الحقول مطلوبة! يرجى منكم احترام الآداب العامة في الحوار.